بسم الله الرحمن الرحيم
****
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قال الله : إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه ) .
تخريج الحديث
رواه البخاري بهذا اللفظ ، وروي بألفاظ مختلفة في البخاري و مسلم عن عائشة و عبادة بن الصامت و أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين .
الساعة الأخيرة
يخبر الحديث عن أحرج الساعات في حياة الإنسان ، وهي آخر ساعة يودع فيها الحياة الدنيا ، الساعة التي لا بد وأن تمر على الجميع بدون استثناء المؤمن والكافر ، الصغير والكبير ، الغني والفقير ، الذكر والأنثى ، إنها ساعة الاحتضار وخروج الروح ، وهي ساعة صدق يصْدُق فيها الكاذب ، ويظهر فيها المستور ، وينكشف فيها المخبوء ، فلا تقبل عندها التوبة ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً .
وما يحدث للمحتضر حال احتضاره غيب لا نشاهده ولا نراه وإن كنا نرى آثاره ، وقد أخبرنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه ، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - في سنته عمَّا يلقاه العبد وما يعاينه في تلك الساعة .
فإذا حان الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب ، أرسل الله إلى عبده رسل الموت لقبض روحه كما قال سبحانه :{وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } (الأنعام 61) وقال : {فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون }( الواقعة 83- 85) فيكون الإنسان في تلك الحال في موقف من أصعب المواقف ، فهو خائف مما سيقدم عليه ، كما أنه خائف على من خلفه ، فتأتي الملائكة للمؤمن في صورة حسنة جميلة ، وتبشره برضوان الله وجنته ، وتؤَمِّنه وتطمئن قلبه بألا يخاف مما سيستقبله في عالم البرزخ والآخرة ، ولا يحزن على ما خلفه من أهل ومال وولد {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون }(فصلت 30) ، وتأتي الكافرَ والمنافقَ في صورة مخيفة مفزعة ، وتبشره بسخط الله وغضبه وأليم عقابه ،{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق }(الأنفال 50) ، فحينئذ يفرح المؤمن ويستبشر ويحب لقاء الله ، لِما ينتظره من حسن الجزاء ، ويكره الكافر لقاء الله لما يعلم من سوء العاقبة .
وقد جاء في السنة في حديث البراء بن عازب المشهور مزيد بيان وتوضيح لما يحدث للصنفين في هذه الساعة يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط - وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم - من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام ، حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة - وفي رواية المطمئنة - اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء ، .........، وإن العبد الكافر - وفي رواية الفاجر - إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة ، سود الوجوه - وفي رواية غلاظ شداد - معهم المسوح (من النار) - وهو كساء غليظ من الشعر والمراد الكفن - ، فيجلسون منه مدَّ البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال فتفرق في جسده ، فينتزعها كما ينتزع السفود - وهي حديدة ذات شعب متعددة - من الصوف المبلول ( فتقطع معها العروق والعصب ) رواه أحمد .
اللهم احسن خاتمتنا